الأحد، 1 فبراير 2009

«كاتم الصوت» الحر... ماذا يريد من الإعلام؟

رئيس اللجنة التعليمية المسؤول الأول عن القانون المشوه للمطبوعات رغم تنصلِّه منهمساعيه لاقتراح المزيد من القيود على الصحف والفضائيات ينبغي أن تواجه بجبهة معارضة من كل أنصار الحريةالصحافة الكويتية مصدر فخر واعتزاز لهذا البلد إقليمياً ودولياً النائب حسن جوهر نموذج رائد للدفاع عن حقوق الصحافة والصحافيينلسنا مستعدين للتنازل عن دورنا في كشف الفساد ومحاربته رغم أي محاولات للابتزاز والتهديدندافع بكل ما نملك عن المؤسسة التشريعية ونرفض الإساءة إليها لكن ذلك لا يمنعنا من إدانة سلوكيات بعض المنتمين لها
في معظم السنوات الأخيرة تتبوأ الكويت المرتبة الأولى في مجال حرية الصحافة، وذلك حسب قياسات تقوم بها منظمات وهيئات دولية محايدة.. وقد كان المأمول أن يثير ذلك فخر واعتزاز جميع أبناء الكويت، لأن حرية الصحافة هي - من دون أدنى شك - الجناح الأول لطائر الحرية، فيما الجناح الثاني بالطبع هو الحرية التي يتمتع بها البرلمان، وما يستتبعها بالطبع من حرية الانتخابات ونزاهتها، وهو الأمر الذي يشهد لنا فيه القاصي والداني، فالحرية البرلمانية لدينا ليست فقط متوافرة، بل إن البعض يرى أنها «فائضة» ولابد من «كفكفتها» قليلاً، حتى لا تتحول إلى «مدّ» هادر يضر أكثر مما ينفع، لكن الشاهد هنا أن جناحي الحرية للطائر الكويتي هما من القوة والصلابة، بما لا يخفى على أحد.غير أن هناك نفراً منا يريدون أن يتمتعوا بكل ما يتيحه لهم جناح الحرية البرلمانية، بل و«يتطرفون» في استخدام حقهم الدستوري في هذا الشأن، ثم يضيقون ذرعاً بالجناح الآخر للحرية، وهو حرية الصحافة، ولا يكتفون بالتعبير - شفاهة أو كتابة - عن هذا الضيق، وإنما يمضون إلى ما هو أبعد من ذلك، عبر التحريض على الصحف والفضائيات، والمطالبة بخنقها وكتم أنفاسها، واستغلال كل المنابر المتاحة له لممارسة هذا التحريض السافر، دون وجه حق، ولعل أحداً لم ينس منظره في إحدى الجلسات الأخيرة لمجلس الأمة، وهو يرفع بيده إحدى الصحف الزميلة، وينعتها بأبشع النعوت، لمجرد أنها اختلفت معه في الرأي، أو وجهت له انتقاداً معيناً، وهي سابقة ربما لم تحدث من قبل في تاريخ المجلس، أن يقف نائب في قاعة عبدالله السالم هكذا، وهو يشنع بصحيفة ويهاجم الصحف عموماً، ويصنفها حسب هواه إلى «إعلام صحيح» و«إعلام فاسد»، وكأنه أمام «كراتين بيض»، مطالباً بتوقيع أقصى العقوبات للإعلام الذي يراه - من وجهة نظره - «فاسداً».النائب المسلم الذي أثار استياء واستنكار الجميع بحركاته «البهلوانية» في قاعة الجلسات، لم يكن ما فعله مفاجئاً أو جاء على حين غرة، بالعكس فهو متسق تماماً مع الخط الذي انتهجه لنفسه منذ فترة طويلة، فهو يتبنى المبدأ الذي اختطه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش: «من ليس معنا فهو ضدنا»، وهو الذي قاد - باعتباره رئيساً للجنة التعليمية البرلمانية - أسوأ قانون للمطبوعات شهدته البلاد، ثم حاول أن يتهرب منه بعد ذلك عندما واجهه بعض النواب بأنه يتحمل المسؤولية عن إخراج القانون بهذه الصورة المشوهة، واحتج بأنه ليس وحده الذي يقف وراء هذا القانون وأن هناك 30 نائباً آخرين أقروه، واعتبرهم شركاء له في المسؤولية.. لكن د. فيصل المسلم لم يكتف بذلك، حيث تتواتر معلومات حالياً بأنه يسعى إلى تقديم اقتراحات بقوانين تتضمن قيوداً جديدة على الصحف والفضائيات، إمعاناً في تحديه لها، ورغبةً منه في ممارسة أقصى قدر من التضييق عليها حتى لا تستطيع التصدي للفساد بكل أشكاله، سواء صدر من مسؤولين حكوميين أو من أعضاء برلمانيين، وليضمن لنفسه ولمن يقتدي به أن «ينكِّل» بمن يشاء من دون أن تجرؤ صحيفة أو فضائية واحدة عن أن تقول له إنك مخطئ أو متجاوز.هذه الممارسات «الفيصلية» ليست هي القاعدة العامة في أداء مجلس الأمة، فهناك نواب نشهد لهم - ويشهد الجميع لهم - بالدفاع عن حرية الصحافة ورفض كل أشكال القيود التي يطالب البعض بفرضها عليها، أحد هؤلاء النائب د. حسن جوهر الذي ناصر الصحافة والصحافيين بما لا مزيد عليه خلال اجتماعات اللجنة التعليمية وقال كلاماً طيباً ومتوازنا جداً عندما اكد ان من حق الصحف ان تنتقد النواب الخمسين بلا استثناء، بل وأن «تجرحهم» - بالمعنى السياسي بالطبع لكلمة التجريح - كما تريد، لكن المرفوض هو الهجوم على المؤسسة التشريعية ككل، وهو كلام يستحق الاحترام الشديد، ونظن أنه لا يختلف عليه أحد، فكلنا ندين بالاحترام والتوقير الشديدين للمؤسسة التشريعية، ونوقن أنها إحدى ركائز تماسك واستقرار هذا البلد، وانتقادنا لأحد - أو لبعض أعضائها - لا يعني مطلقاً أن نطالب بهدمها أو حتى المساس بها، لأنها واحدة من القلاع التي بناها لنا آباؤنا العظام، والتي يحق لنا أن نفخر بها ونحافظ عليها، ونصونها من كل من يريد تشويهها، حتى لو كان «الجاني» من أبنائها والمنتمين إليها!ما نبتغيه ليس هو التعرض لمجلس الأمة ذاته أو النيل منه، ولا حتى نستهدف نائباً بسوء، أو نعلن عليه الحرب ونناصبه العداء، ولا مصلحة لنا في الإضرار بنائب دون سواه، كل ذلك لا يعنينا ولا نسعى إليه أو نريده مطلقاً، وإنما كل ما نستهدفه هو «ترشيد» الممارسة النيابية و«عقلنتها»، حتى لا تصبح من دون «كوابح» فتنطلق بنا كقطار مجنون يطيح بكل ما هو أمامه ويدمر كل ما يصادفه، لأن ذلك لن يضر هذا «الباغي» وحده، وإنما يضر الأمة كلها، وكم من أمم وشعوب عضت أصابع الندم، ولكن بعد فوات الأوان، لأنها لم تضرب على يد فرد أو أفراد قلائل قادوها إلى التهلكة.. ولا ندري ما هي مصلحة نائب في مناصبة الإعلام - بكل أطيافه - العداء، والتحريض عليه والمطالبة بـ «كتم صوته»، إلى حد أنه يؤلب سمو رئيس مجلس الوزراء ضد وزير الإعلام الشيخ صباح الخالد، ويصف الأخير بأنه «الوزير النائم»، مطالباً إياه بالقيام بأسوأ ما يمكن أن يقدم عليه وزير إعلام، وهو إغلاق بعض القنوات الفضائية لأنها «تقف في حلقه» لا يبلعها ولا يهضمها، و«جريمتها» الوحيدة أنها اقتربت من «الخطوط الحمر» وانتقدت أداء بعض النواب.. وهو أمر شديد الغرابة أن نكون في بلد يسمح بانتقاد رئيس الوزراء، بل والهجوم الشديد عليه والتعريض به، ويحرم و«يجرم» أيضاً «المساس» بأحد النواب، ويطالب جميع الكتاب والإعلاميين بأن ينصاعوا لما يمليه عليهم النائب - أي نائب - وإلا لاحقتهم التهديدات ومورس ضدهم أبشع أنواع التحريض، فهل هذا يرضي أحداً؟ وهل المؤسسة التشريعية التي نكن لها كل تقدير ترضى به.. وهل من المنطق في شيء أن تطلق هذه المؤسسة العنان لأحد أعضائها لكي يُعمل في الناس تشويها وهدماً بهذه الصورة؟ وأليس من واجب ممثلي الأمة أن يحافظوا على مؤسساتنا الاعلامية والصحافية الرسمية منها أو الخاصة - لأنها - باعتراف العالم كله هي «السلطة الرابعة» التي تكمل عمل السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية؟».إن الإعلام الذي صنفه النائب د. فيصل المسلم باعتباره «فاسداً» هو الإعلام الذي اقتحم مكامن الفساد في كل المواقع والجهات - تنفيذية كانت أو برلمانية - وهو نفسه الإعلام الذي رفض أن يخضع للابتزاز أو التهديد أو «الإرهاب الفكري والنيابي» الذي يمارسه البعض، محتمين بظل «حصانة» منحها لهم الدستور، لا لكي «يتجبروا» بها على مواطنيهم أو يرهبوهم، وإنما ليكونوا «خدماً» لهذا الشعب، وهو مفهوم نشك في أن «نواب الابتزاز» - والحمد لله أنهم قلة قليلة - يدركونه أو يقدرون على استيعابه والعمل طبقاً لما يمليه، ببساطة لأن هؤلاء لم يعتادوا إلا أن يكونوا خدماً لأنفسهم، أما الشعب فإنه «مصطلح» يكاد أن يكون قد اندثر تماماً من «قواميسهم!».